Apr 17, 2011

سليمان البسام يدير محاكمة للواقع الكويتي وتحولاته




يواصل المؤلف والمخرج والمنتج سليمان البسام تفاعله الرائع مع جمهوره الواسع من مختلف الجنسيات عبر أعمال مبتكرة جديدة محورها قضايا حريات التعبيروحقوق الانسان، ويأتي عمله الجديد «ودار الفلك» امتداداً للإطار العام الذي وضعه هذا الفنان المبهر بأعماله ورئيس فرقة «سبب» لأعماله المسرحية المتتالية، ليكون هذا العمل مستوحي من مسرحية «الليلة الثانية عشرة» لوليام شكسبير الذي يحب أن يرتبط به البسام دائماً.وفي هذه المرة عاد البسام مشاركا في التمثيل على الخشبة حيث أخذ دور المخرج أيضاً ليلقي خطاباً مثيراً في بداية العمل يرمز فيه إلى المحاولات المتطرفة لإلغاء الذاكرة الكويتية. واعتمد البسام في هذه المسرحية على تقسيمها إلى نصفين، إذ يوضح كمخرج داخل العمل بأن «المسرحية داخل المسرحية» الموجودة ما هي إلا إعادة تقديم لعرض قديم يتم تشذيبه بطريقة ما، بعدما «هدى الله» الفنانين في إشارة إلى «الصبغة الدينية» وعلاقتها بالفنون، وبالتالي فإن النصف الأول من العمل يمر ثقيلاً على القلب وخالياً من الألوان من خلال شاشة تقدم مشاهدها بالأبيض والأسود ومن ثم إعادة تنفيذها بحيث يتحول الفستان إلى حجاب وتقاس المسافة بين الجنسين بشكل حذر.


أما في الجزء الثاني من العمل، فينطلق بعدما وجّـه البسام اتهاماً للجمهور باعتبارهم «متواطئين» من خلال صمتهم على ما يحصل من تعديات على الحدود العامة مثل الاختلاط والغزل والرقص لنشهد بعدها مشاهد ملونة لا حدود فيها لحرية الفنان في الإبداع والتعبير، ولربما هذا الجزء كان سلساً في بدايته خصوصاً من الناحية المرئية. ولا يأخذ البسام في هذا العمل دور المخرج فقط بل هو الراوي والمعلق المستمر على كل الأحداث، بل وانه يأخذ صوت الرقيب السياسي والديني حيث يقوم بتعقيم ممثليه حين يتجاوزون «الخطوط الحمراء المرسومة» مؤكداً في أحيان أخرى بأن المسرح الآن «لا يجرؤ على محاكاة الواقع وتحدي الماضي وطرح القضايا» وعليه بكل بساطة أن يكون استنساخياً ومكرراً فيما يقدمه.


الأمثلة التي يطرحها العمل على تضييق الحريات كثيرة من خلال مشاهد وتفاصيل وسطور كثيرة بمستويات متعددة ومهما كانت هذه الالتقاطات ساخرة ونقدية إلا أن بعضها لم يكن في مكانه لنشعر بأن الكاتب والمخرج يريد أن يخرج «كل ما لديه» من ملاحظات في هذا الشأن في عمل واحد، فكان الزخم كبيرا وبالتالي حمل مسرحيته أكبر مما تستطيع تحمله وهو ما كان واضحاً من خلال الإطالة والمباشرة في الطرح. وهذا لا يعني بأن البسام لم يعرف كيف يقدم حلولاً إخراجية خلال العمل فهي واضحة وبارزة في العمل بشكل جميل ولافت إلا أن وزن النص المكتوب / المنطوق سبب ارباكاً وغلب على اللغة المرئية للعرض.


الأداء من الناحية الأخرى، كان جميلاً إلى درجة بالغة ففريق العمل يحتوي على أسماء رصينة وكبيرة في المسرح العربي ومن بينهم فايز قزق وأمل عمران وكارول عبود المتألقون دائماً في أدوارهم، بينما أخذ فيصل العميري مساحة أكبر عن سابق أعماله مع البسام حيث قدم شخصيات مختلفة بشكل متقن، إلا أن الأداء الأفضل في هذا العرض قدمته الفنانة السورية نوار يوسف في دور «نشامي» التي أذهلت الجمهور بتقمصها لحالات مختلفة وتنقلها السلس من جزء إلى آخر في هذا العمل فلم يسبق لنا في الكويت أن نرى ممثلة تقدم دوراً متقناً وجريئاً ومتلوناً في الرقص والبكاء والغناء كما فعلت الفنانة السورية نوار التي تمثل بكل تأكيد مكسباً مهماً لفرقة «سبب» في أول عمل لها مع الفرقة إلى جانب الممثلين نصار النصار وفهد العبدالمحسن.


الأسلوب الجريء في المسرحية في الرقص وبعض الإيحاءات الجنسية جاءت لتؤكد الطرح الهادف خدمة للنص على غير ما اعتدناه في المسرح الكويتي، جرأة البسام صادمة لجيل جديد من الكويتيين لم يعتدها من المسرح الكويتي سواء كان النوعي أم التجاري، بل أن الذاكرة الكويتية استعادت ما قدمه «الجيل الذهبي» في المسرحيات الرصينة الجريئة التي قدموها في ما مضى، والتى أتت الرقابة الحكومية على تشذيبها بما يناسب الحدود الجديدة التي طرأت على المجتمع الكويتي في السنوات الأخيرة. وعرض «ودار الفلك» تقصدت هذه الجرأة بحكم أنها مسرحية تطرح مقارنة من واقع الفن الكويتي ولذلك كانت مشاهد الرقص وكلمات الغزل والإشارات الجسدية والجنسية كلها موظفة في إطار فني يخدم الشكل والمضمون.


يمكن أن نرى بوضوح أن عمل سليمان البسام يتخذ من التجربة الكويتية صوتاً للتجربة العربية الاوسع وصراع الفنان مع السلطة السياسية والدينية، ويبدو أن البسام استغرق وقتاً طويلاً في التقاط كل أشكال تضييق الحريات في طريقه لمحاكمة تعتمد على مقارنة الماضي بالحاضر، إلا أن الهم الكبير الذي حمله البسام لربما كان السبب في تغطية المضمون على الشكل في مواضع عدة، وطغيان الشكل في مواقع اخرى، لكن في النهاية يبقى هذا العمل الحدث الأنسب بلا نقاش ليقف الكويتيون في هذه المناسبة لطرح أسئلة مفصلية ومهمة عن واقعهم بدلاً من اقتصار الأمر على الاحتفالات التقليدية التي ليس من شأنها أن تدفعنا إلى الأمام.



- جريدة الراي

No comments:

Post a Comment